الشيخ عبد الرزاق الحبيب رحمه الله

الشيخ العلامة المرحوم عبد الرزاق محمود حبيب الدوسري
إمام وخطيب جامع هيت الشرقي.
إعداد الشيخ مهند عبد العزيز الهيتي
إمام وخطيب جامع الحارث بن يزيد العامري
الحمد لله الذي خلقنا من عدم ، وأسبغ علينا وافر النِعم ، وكبرنا من صِغر ،وعلمنا من جهالة ،وهدانا من ضلالة ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وبعد
لنعيش هذه الدقائق مع عالمٍ تربى على حب العلم والعلماء ، هيا أيها الأحبة لنعيش اليوم مع عالم آخر نقدمه لقرائنا نقدمه قدوة طيبة ومثالاً أعلى ، في وقت قلت فيه القدوة من ناحية ، وقُدِمَ فيه الفارغون والتافهون والساقطون ليكونوا القدوة والمثال من ناحية أخرى وهؤلاء الذين تعتز بهم أُممهم وتقدمهم لأبنائها على أنهم القدوة والمثال بحيث لو وضعوا أمام عظمائنا وإسلامنا وديننا لكانوا سراباً لا حقيقة له وشتان بين نور السهى وشمس الضحى ، تعالوا بنا لنلقي السمع والبصر والفؤاد على هذا العالم الفاضل التقي النقي الأبي لا بد إنكم اشتقتم إلى معرفته حديثنا اليوم عن علم من أعلام مدينة هيت تلكم البقعة المباركة التي خرجت العلماء والخطباء والشعراء الأنخاب الذين أصبحوا مشاعل نور وهداية يشار إليهم بالبنان وكان من بين هؤلاء الشيخ العلامة المرحوم ( عبد الرزاق محمود حبيب)
الولادة والنشأة :
ولد الشيخ رحمه الله تعالى في مدينة هيت المباركة سنة 1927م ونشأ فيها وهو عائلة دينية أنجبت الكثير من العلماء كان أول موطئ قدم له في العلم المدرسة الدينية في جامع الفاروق وقد درس فيها على يد الشيخ عبد العزيز سالم السامرائي الذي قدم من مدينة سامراء إلى هيت ، و تتلمذ رحمه الله على عدد كبير من كبار المشايخ والعلماء ، وكان زملاؤه في الدراسة الشيخ عبد الغفور فواز رحمه الله والشيخ صبحي الهيتي رحمه الله والشيخ عبد الملك السعدي والشيخ ياسين منصور السعدي والشيخ محمد ناجي والشيخ حمد عبيد الكبيسي والشيخ إبراهيم جدي والشيخ أحمد الكبيسي وكثير من العلماء مما ذاع صيتهم .
في مجال الدعوة والعمل :
وبعد أن تخرج الشيخ عبد الرزاق من مدرسة هيت الدينية عين الشيخ رحمه الله بوظيفة الإمامة والخطابة في جامع القاضي في مدينة عنه والذي كان يسمى أيضا جامع بيت الكحلي سابقاً ، ثم عاد إلى مدينته الأصلية هيت كإمام وخطيب ثم انتقل إلى مدينة الفلوجة لإكمال دراسته ملتحقا بالمدرسة الآصفية وعلى يد الشيخ عبد العزيز السامرائي أيضا ليكمل الدراسة الاثنى عشرية فكان من لا يكمل الاثنى عشرية لا يسمح له بالتدريس فأكمل شيخنا رحمه الله دراسته في الفلوجة ثم عاد مدرسا في مدرسة سيدنا عثمان بن عفان الإسلامية في هيت وهي صرح من صروح مدينة هيت وبقت تواكب مسيرتها في تخريح طلبة العلماء ممن يشغلون اكبر شريحة في تغطية المساجد في الإمامة والخطابة إلى يومنا هذا ، وبقي رحمه الله مدرسا فيها حيث تخرج على يديه كثير من طلبة العلم والمشايخ الذين يشار لهم بالبنان ويشهد لهم الجميع بالفضل في هذه المدينة وفي كل مكان وقد حصل على الإجازة العلمية من قِبل الشيخ عبد العزيز السامرائي بتاريخ 27 جمادى الأول 1373 من الهجرة الموافق 29 كانون الثاني 1954 من الميلاد ......
وكا فقيدنا المرحوم الشيخ عبد الرزاق مثل رائعٍ من أروع الأمثلة الدلالة على صفاء عنصر هذه الأمة ونقاء معدنها وسرعة رجوعها إلى الحق إذا وجدت رائداً يقودها على السواء فهي تسير معه تتبع ظله وترتفع به من حضيض وحدتها آخذة طريقها إلى السمو الإيماني والقيادة الربانية والمكانة العلية ، ولقد كان شيحنا المرحوم قائدا وزاهدا وعالما ومفتيا بصدق إيمانه ونقاء سريرته وشدة ورعه وزهده وخوفه من الله عزوجل استطاع أن يضع يده على موطن الداء عهدته منذ الصبا بعمامته وعباءته وطلعته البهية كنت أعهده والناس تسلم لعيه كان رحمه الله محبا للنبي صلى الله لعيه وسلم فلا يأتي شهر ربيع الا ويزرع حب محمد في قلوب المسلمين فتراه يستعد ليوم المولد النبوي ويحي الذكرى ويقيم المآدب على نفقته وترى الناس لا تعرف احتفالا يقام مثل ما يقيمه جامع الشرقي في هيت الذي له مكانه وسمة خاصة في قلوب أهالي هيت وبرعاية من الشيخ عبد الرزاق حتى كان رحمه الله في كل عيد يصنع مائدة الإفطار ليجمع المصلين والناس على المحبة والصفاء والوداد وبقت هذه الحالة إلى يومنا هذا ....
وكان شيخنا الراحل عالما ومفتيا دقيقا ومتواضعا زاهدا لا يحب الفخر ولا التفاخر لا يعرف الرياء ولا السمعة ولا حب الظهور ولا التكبر ولا الغرور كان متأسيا بالمصطفى عليه الصلاة والسلام يقضي معظم وقته في جامع هيت الشرقي وفي مكتبته العامرة بالكتب والتي لا زالت إلى يومنا هذا مرجعا لطلبة العلم والعلماء إلى يومنا هذا .
وعرف أيضا بحبه للإصلاح بين الناس وكان ينفق من ماله الخاص من اجل الإصلاح وكان رحمه الله يفتح بيته للصغير والكبير وبقت هذه السمة حتى في أولاده وأهل بيته كان لا يحب الغلو والمغالاة يحب الوسطية والاعتدال في كل شي كان يكره المنكر وعنده غيرة على دينه يحب أهل المدينة وتحبه المدينة .
يذكر لنا الأستاذ عبد العزيز فواز انه في سنة 19670 م ذهبنا مع الشيخ عبد الرزاق محمود حبيب والشيخ صبحي الهيتي والشيخ عبد الغفور فواز والشيخ ياسين تركي إلى مدينة الفلوجة وكان فيها الشيخ عبد العزيز سالم السامرائي وكان مريضا فدخلنا عليه وسأل كل واحد منا عن اسمه واحدا وفرح بقدومنا كثيرا ويذكر أن الشيخ كان مؤنسا في السفر ويحب مرافقة العلماء .
سعى رحمه الله إلى إنشاء مقبرة الشيخ أحمد التي ضمت رفاته ورفاة الشيخ صبحي والشيخ عبد الغفور والشيخ ذو النون والشيخ هشام الخطيب وهي تذكر من جميل فعاله إلى يومنا هذا ومنع من فتح سينما في هيت وذهب بوفد للمحافظ مع كوكبة من العلماء من اجل ذلك ولم تفتح .
يذكر لنا احد طلابه موقفا من طرائفه ويقول كان لا يحب أن يرد احد أو يخاصم احد ذات مرة نزل للسوق وأوقف سيارته أمام محل الحاج مجيد حجي محمد وهو رجل معروف في المدينة وقد توفي رحمه الله وكان فوق سيارته سبايه فباع الحاج مجيد السبايه لرجل كبيسي فجاء الشيخ فوجد الرجل يفتح السبايه فقال له ماذا تفعل قال له اشتريتها قال له بدون أن يقول له شيء بكم قال له بتسعة دنانير فاخرج الشيخ رحمه الله من جيبه تسعة دنانير وأعطاها له وبدون أن يقول له هذه لي وضحك ثم ذهب .

ومن مذكرات الشيخ رحمه الله التي ذكراها في كشكوله يقول :
دخلت المجلس العلمي للامتحان في بغداد بتاريخ 23/ 1 / 1948 وكان من العلماء الذين تقدموا معي للامتحان الشيخ طه علوان السامرائي والشيخ ياسين منصور السعدي والشيخ عبد اللطيف حمد ردسه وقد سألوني أربعة عشر سؤالا أولاها ما حكم الكلمة قبل وقوعها في التركيب من حيث الإعراب وهل تكون عاملة ؟ وآخرها ما تعريف الإرادة والقدرة في صفات الله عزوجل وما الفرق بينهما ؟ وباقي الأسئلة في الصرف والمنطق والفقه والأصول وقد أجبتها كلها وبجدارة ونجحت في الامتحان بفضل تلك الدروس التي تلقيتها من الشيخ عبد العزيز السامرائي رحمه الله تعالى .

مرضه ووفاته :
هكذا بقي الشيخ عبد الرزاق خطيبا في جامع هيت الشرقي الذي أعاد بنائه في عام 1970 يمارس فيه الإمامة والخطابة والدعوة إلى الله تعالى وينشر حب الله وحب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحب الصالحين في كل مجلس يجلسه حتى توفاه الأجل يم الأربعاء 12/ 9 / 1990 وقد شيعه الشيخ عبد الملك السعدي حفظه الله وجمع كبير من طلبة العلم والناس تشيعا مهيبا قي مسطرا في قلوب الناس إلى يومنا
ورثاه الشاعر محمد عبد الله حبيب ابن اخيه بقصيدة رائعة عنوانها الشيخ النجيب عبد الرزاق الحبيب ومما جاء فيها :
حمداً لمولاي الكريم على المدى ما لاح فجر الصبح أو هب الصبا
أنجبت يا هيت المليحة أنجماً فيها بريق العلم أضحى يعجبا
شيخي أبا إبراهيم فخراً أنتم لسنا نظن الفخر سهل المكسبا
فالفخر في درب الصلاح مكانه نِعم السبيل سبيلكم كي نذهبا
ظلت ألاعيبَ القمار كريهةً في شرعكم تدعى وحنى الطربا
وكرهتم شاشات تلفازٍ بدى منها الحلال ففي المحرم اغلبا
عماه أين رحلتم وتركتمُ بقلوبنا شوقا فصارت إربا
شوقاً إلى تسديد درب للشباب على طريق الهاشمي المجتبا
في حب نبهانٍ شدت أرواحكم نبهان أحييتم لسنة من سبا
منا العقول وزينت أنواره فينا القلوب فصار حبه مطلبا
يا ربِ نور بالعلوم مدارساً فيها تدارسَ شيخنا عند الصبا
فيها سما عبد العزيز مدرساً فأتى أبو إبراهيم شيخاً يحسبا
وكان للشيح رحمه الله أربعة أولاد هم الشيخ د إبراهيم عبد الرزاق والشيخ د إسماعيل وخالد ومحمد وكلهم حملة شهادات عليا وقد بقي الشيح إسماعيل عبد الرزاق خطيبا لجامع هيت الشرقي
هذا ودفن في مقبرة الشيخ احمد في هيت التي كانت حسنة من حسناته فرحم الله شيخنا عبد الرزاق محمود الحبيب
رحم الله الشيخ عبد الرزاق الحبيب صاحب الزهد الذي تربى على يد العلماء أصحاب المناهج الصافية الصادقة مع الله تعالى غالبا ما يثيرون في النفوس ابتهار انكشف عن جوهر الصدق والإخلاص في العمل ومعنى الثبات على خطى السلف الصالح وإن لم يكن هذا وذاك فعلى أقل تقدير يثيرون لدينا قناعة تغيير المناهج الخاطئة السائدة ما هي أكثر صدقا وقربا إلى الحقيقة ، وقد فعل الزمن فعله وعملت أصابع أعداء الإسلام عملها في الخفاء والعلن لتغير كثير من المفاهيم الإسلامية الصحيحة لتحل بدلا عنها تصورات ومفاهيم رثة ، واختلج في عقول كثير من الشباب اليوم الإبتعاد عن دوحة العلماء والإعتزاز برأيهم فازداد الجهل جهلا وازدادت حدة التصادم بين الأصل الأبيض والجديد الأسود المستحدث حتى تشوهت لدى كثير منا معاني إتباع السلف الصالح والنظرة إلى التصوف وهل هما منفصلان معا وتلكم ما تمثلت به تجربة الشيخ الفاضل عبد الرزاق الحبيب وتأتي وفاته في وقتٍ أحوج ما نكون فيه إليه وإلى أمثاله من الرجال المخلصين الصادقين الذين يسهمون في توجيه الناس إلى ما فيه الخير والصلاح