هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رثاء بوفاة الوالدة في العراق

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

رثاء بوفاة الوالدة في العراق Empty رثاء بوفاة الوالدة في العراق

مُساهمة من طرف الدكتور الشيخ عبدالرزاق السبت أغسطس 15, 2009 8:13 am

معذرةً وا أُمَّاه
اختاركِ اللهُ وغيَّبني الظالمون

وأخيراً كان ما كان، ووقع ما جال في الحُسبان، وحلّ ما خَطَّه قلم الرحمن، فوجب به كمالُ الإيمان، فحين رنّ جرسُ الهاتف، وكلَّمني النَّاعي وهو وجِلٌ خائف، بأنّ التي كنتَ تتمنى رؤيتها، لتقومَ على خدمتها، اختارتْ جوارَ ربها، ظُهر يوم الأحد، في السادس والعشرين من شهر رجب الفرد، الموافق للتاسع عشر من تموز المعروفِ بشدَّة الحر، فارتعشتْ يدُ المحزون، وسقط هاتفُ المنون، وسالتْ بالدموعِ عيون، وقلنا ما يقوله الصابرون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
فمعذرةً أُمَّاهُ عن تقصيرِ ابنِكِ المفجوع، فلم يُقَبِّلْ منكِ يداً ولا رِجلاً لأنه مِنَ الوطنِ مخلوع، ولم يُصلّ عليكِ مباشرةً كما هو المشروع، وتعويضُهُ بصلاةِ الغائبِ لا تُرويهِ ولا تُغنيه من جوع، رغمَ أني صليتُها في ماليزيا مع آلافِ الجموع.
كم كنتِ تَتَمنِينَ أنْ يحضرَ جنازتكِ كلُّ الأبناء، وروحُكِ ذاهبةٌ إلى ربِّ الأرضِ السماء، تنادي يا ربِّ بقدرتِكَ وإرادتِكَ خلَّفْتُ هؤلاءِ العلماء، فاجْعَلْ منزلتي ومنزلتَهم مع الأنبياءِ والصديقين والشهداء.
أُمَّاهُ إنْ غابَ عنَّا جسدُكَ الطاهر، فالقلبُ بحُبِّكِ وذكراكِ عامر، فكيفَ ينسى الفؤادُ أُمَّاً رَؤمَاً أفنتْ شبابَها الزاهر، بتربيةِ أولادِها حتى أوصَلَتْهُم إلى شرفِ المراتب، وحَنَتْ عليهم حتى نالوا من العلمِ مكاسب.
فكيفَ تموتينَ وابنُكِ عبدُ الملكِ فَقِيهُ العراق، وملكُ العلومِ بلا شقاق، الذي طارَ اسمُهُ في الآفاق، فتابَعَهُ الخَلْقُ مِنْ كُلِّ جانبٍ بالمُقلِ والأحداق، فإذا تحدَّثَ أو افتى أو درَّسَ انتفعَ منه النَّابِهُ وبه السَّاهِي أفاق، وهو عميدُ الأسرةِ السعدية، وكبيرُ العائلةِ الرحمانية.
وابنُكِ عبدُ العليم فارسُ المنبرِ والمحراب، وسيدُ الوعظِ والتدريسِ بلا كللٍ ولا حجاب، ونافعُ الخلقِ دون حساب.
وابنُكِ عبدُ الحكيم كريمُ النفسِ سخيُّ المروءةِ حملَ مِنَ العلمِ منتَهَاه، ينشرُ علمَهُ وحكمَتَهُ بين طلابِه وهو صابرٌ على بلواه، ويتابعُ في دارِ الغربةِ أحوالَكِ وأخبارَ بلدِهِ الذي كان مأواه.
وابنُكِ عبدُ الرزاق راقمُ هذه السطور، الذي يطمعُ بشفاعَتِكِ يومَ البعثِ والنشور، لِمَا أصابَهُ من تقصيرٍ بحقِّكِ في آخرِ عُمُرُكِ المبرور، بسببِ غُربتِهِ عن دارهِ المعمور، وبُعْدِهِ عن الوطنِ الذي تداعتْ عليه الفجرةُ من كُلِّ الجُحور، لكنَّ عزاءَهُ أنَّ اللهَ اختارَكِ وأنتِ عنهُ راضية، فهو يدعو لكِ في كلِّ ساعةٍ وثانية، وعلى كلِّ سهلٍ ورابية، وما يُقدمُهُ من علمٍ فهو لَكِ صدقةٌ جارية.
وابنُكِ عبدُ القادر الصامتُ الناطق، العالمُ الصابرُ المحتسبُ الواثق، الذي نالَ شرفَ خدمَتِكِ في بيتِهِ الشارق، وأنتِ على فراشٍ للصحةِ سارق، فهنيئاً لَهُ وهو في عملِهِ صادق.
وابنُكِ عبدُ الله آخرُ العنقودِ والولادات، حملَ العلمَ بجدٍ وثبات، وزامنَكِ في الأكدارِ والمسرات، ورافقَكِ بطولِ الصبرِ وأفضلِ الخدمات، لأنه كانَ يُدْرِكُ أنَّ الجنةَ تحتَ أقدامِ الأمهات، فهنيئاً له ضامناً عند الله أعلى الجنات.
وابنتَاكِ: ((وسيلةُ)) و((ماريةُ)) في سجلِ حسناتِكِ الجارية، فهُما أُمّانِ صالحتان، أنجبتا رجالاً فرساناً في الميدان.
فكيف تموتين يا أُمَّاهُ وعَقِبُكِ من الصالحينَ والصالحات، ومآثِرُكِ عندَ الله في ديوانِ الحسنات، تُكرمينَ كُلَّ ذاهبٍ وآت، وتَعطفينَ على البنينَ والبنات، ولا تَحرمينَ سائلاً من الطيبات، ولسانُكِ رطبٌ بالباقياتِ الصالحات، كيفَ تموتينَ ومحاسنُ ذِكْرِكِ على ألسنةِ الخلق، وشهادَتُهُم تُدوِّنُها ملائكةُ الرحمنِ بأقلامِ الحق.
أُمَّاهُ وأنتِ ترحلينَ من هذه الفانيةِ متوجهةً إلى دارِ القرار، أبعثُ إليكِ تحياتي ودعائي عبرَ أثيرِ الغَبراءِ والبحار، وأُحمِّلُكِ تحياتي وسلامي ودعائي إلى رجلٍ نحسبُهُ عندَ اللهِ من الأبرار، قامَ الليلَ وصامَ النهار، قرأَ القرآنَ وتحرى الحلالَ طاعةً لربهِ المنان، والدِنَا وسيدِنَا عبدِ الرحمن، وزوجِكِ الذي رحلَ قبلَكِ بثلاثةِ عقودٍ من الزمان، فقد كان رجلَ الدنيا والدين والإحسان، وجَّهَنا نحوَ طاعةِ اللهِ والعلمِ والعِرفان، وأخْبِرِيِهِ بأنَّنَا على العهدِ باقون، لا نرضى الدنِّيةَ مهما تجاوزَ الظالمون، ولا تنحني جباهُنا لغيرِ الله وإنْ أفسدَ المفسدون، وَعَثَى في وطنِنَا المحتلون.
ومعذرةً أُمَّاهُ فقد اختارَكِ اللهُ إلى جوارِه، ولبَّيْتِ نداءَهُ راضيةً بدارِه، وما كنتُ أتمنى أنْ أكونَ بعيداً في الغُربة، فأتحمَّلَ برحيلِكِ شِدَّةَ الكُربة، حتى أصبحتُ أتحركُ دونَ وعيٍّ من ألمِ الفراق، كالطيرِ المذبوحِ يرقصُ في دَمِهِ المهراق.
فسلامٌ عليكِ يا أُمَّاهُ يومَ أبصرتْ عيناكِ هذهِ الدنيا، وسلامٌ عليكِ يومَ جاهدْتِ في تربيتنا تربيةً عُلْيَا، وسلامٌ عليكِ يومَ أقعدَكِ المرضُ تذكرينَ الله خاشعة، وتسألينَهُ التوفيقَ لنا برحمتِهِ الواسعة، وسلامٌ عليكِ يومَ لبَّيْتِ نداءَ ربِّكِ بنفسٍ راضيةٍ مَرْضِيَّة، وسلامٌ عليكِ يومَ تُحشرينَ تحت لواءِ خير البرية، سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع كُلِّ نفسٍ زكية، وسلامٌ عليكِ يومَ نَتْبَعُ الأثر، ونرحلُ رحيلَكِ إلى خير مستقر، ويجمعُنا الرحمنُ معكِ في مقعدِ صدقٍ لا وَزَر، كما جمعَ يعقوبَ بأهلِهِ من الحضرِ والوبر، وتَقَرُّ عينَاكِ والوالدُ بما قدَّمْتُمَا من جميلِ النفعِ وعظيمِ الإحسانِ في كلِّ بحرٍ وبَر.
اللهم اغفر لي ولوالِدَيَّ فإنَّكَ كنتَ قديرا، وارحمهُما كما رَبَّياني صغيرا، واجعلْ قبرهُما جنةً وعبيرا، وارزقهُما شفاعةَ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم رِضاً مِنْكَ وتقديرا.
يا مَنْ يعزُّ علينا أَنْ نُفَارِقَهُمْ وُجْدانُنَا كَلُّ شَيءٍ بَعدَكُمْ عَدَمُ
عبدالرزاق
ماليزيا - لجمعة: 2/ شعبان/ 1430هـ = 24/ جولاي تموز/ 2009م
الدكتور الشيخ عبدالرزاق
الدكتور الشيخ عبدالرزاق
عضو جديد
عضو جديد

المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 03/05/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

رثاء بوفاة الوالدة في العراق Empty ذرية بعضها من بعض

مُساهمة من طرف عبد الرزاق عبد الله صالح الإثنين سبتمبر 07, 2009 10:27 am

ابكاني ماخطته يد الشيخ المباركة ...ولا يسعني إلا أن أقول رحمها الله رحمة واسعة وجمعكم بها في مستقر رحمته على سرر متقابلين..وهنيئا لكم ذرية بعضها من بعض صالحة مباركة

عبد الرزاق عبد الله صالح
عضو جديد
عضو جديد

المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 01/08/2009
العمر : 55

http://www.midad.me/arts/author/910

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى