إلى أين أيها المغترب

إلى أين أيها المغترب:؟!
أ.د. عبدالرزاق السعدي

الغربة مأساة الرجال ،إذ فيها حِلٌّ وتَرحال ،وعَنَتٌ ومشقة وجَهلُ مآل ،لكنَّها في سبيل اللهِ غنيمه ،ولطلب العلم فضيله ،وإلى مرضاة الربّ سعادة كبيره ،إنها سفينةٌ أنت تعلو سطحها ،وناقةٌ تركب متنها ،ومسالكُ أنت تُحدِّدُ غايتَها .
فَمِنْ مغتربٍ شاردٍ عن الحقِّ والصراط المستقيم ،أضاع نفسَهُ وانْغمسَ فِي صُنوفٍ يرضاها الشيطانُ الرجيم ،وشذَّ عن قِيَمِهِ وأخلاقهِ الَّتي تربَّى عليها وهو عند أهله مُقيم ،فيا حسرتاه على شبابٍ يَضِيع ،ويا خَيبَتاهُ مِنْ عملٍ وَضِيع ،ويا خسارةَ دُنيا لم يُحْسَنْ فيها الصَّنِع .
وَمِنْ مُغتربٍ عازمٍ يتزوَّدُ بالعلمِ ويعملُ الصالحات ،ويَنْأى بنفسه عن كلِّ المُوبِقات ،ويضعُ نَصْبَ عَينَيهِ رَقابةَ رَبِّ الأرضِ والسموات .
فاخْتَرْ لِنفسك ماترى فيه نجاتَك ،وما يُحقِّق لَكَ فِي المستقبل نجاحَك ، وما يجعلُكَ سعيداً تستثمرُ أوقاتَك ،إنَّها دُنيا فانيه ،لكنَّها مَيدَانُ بناءٍ للدارِ الباقيه ،فلا تُفَوِّتْ فرصةَ قُطُوفِها الدانيه ، فالوقتُ كالسيفِ إِنْ لم تَقطَعْهُ قَطَعَك ،والنفْسُ عدوٌّ إنْ لم تمنعْهُ قَتَلَك ،والشهواتُ مرضٌ إِنْ لم تُعَالجْهُ أقْعَدَك.
قَدِّرْ أنَّكَ مُغْتَرِبٌ ذو أهداف ،بعيدٌ عن الأهلِ والوطنِ والأُُلآََّف ،تُنفقُ على نفسك الماّتِ والآلاف ،فاسألْ نفسَكَ مَا حَصِيلَةُ غُربتي في الدنيا و الأخره ، والأهلُ يَرقُبون عودتي بعيون ساهره ،يأملون نَجاحِي ويَدعون اللهَ بقلوبٍ عامِره ،فهل سأُحَقِّقُ آمالَهُم ،وأرُدُّ عليهم أفضالَهُم ،وأُقِّرُّ بنجاحي واستقامتي عيونَهم ؟
وتذكَّرْ أنَّ العِلْم وحدَه لا يَكفِي ،إلاَّ إذا كان مقروناً بأعمالٍ للحقوق تُوفِي ،وسلوكٍ مُستقيمٍ لِلرَّذِلَيةِ يَنفِي .
فَلَك اللهُ فِي سفرِك الميون ،ولك اللهُ فِي غُربتِك وأنت محزون ،ولَك اللهُ عوناً في كل الشؤون .
وقديماً قالوا :
لَيسَ الغَريبُ غَريبَ الأهلِ والوطنِ إنَّ الغَريبَ غَريبُ اللحدِ والكَفَنِ
أدعُو لَكَ رَبِّي بالتوفيق ،وَبالتقوَى لِتَنْجُوَ مِنْ كُلِّ ضِيق ،وتَتَسَلَّحَ بالعلم الوثيق ،وتُقدِّمَ خدمةً لأُِمَّتِكَ وَوَطَنِكَ بِحقِّ وَحَقِيق .